الخميس , 21 نوفمبر 2024

الكرامات المروية عن الصالحين / بقلم الأستاذ عبد اللطيف ولد محمدفال

الحكايات المروية عن الصالحين كثيرة جدا ومتنوعة جدا ، والتعامل معها لا ينبغي أن يخرج عن القواعد التي يتعامل بها مع كل أمر يزعم شخص “غير معصوم” أنه وقع، فالأصل هو عدم وقوع شيء والمدعي مطالب بالدليل وهو في الأمور المحسوسة النقل الصحيح بعد إثبات الإمكان العقلي للمُدَّعَى فإن وجد الدليل فبها ونعمت وإلا فكما قال شيخ المناطقة ورئيسهم “كل ما قرع سمعك من الغرائب فدعه في ساحة الإمكان ما لم يصدك عنه صريح البرهان”.
هذا هو الموقف العلمي السليم ، ولا شك أنه لا يشترط في الاعتداد بهذه القصص أن تكون قطعية متواترة بل يكفي أن تكون مظنونة ثابتة بإسناد حسن أو متعددة الأسانيد الضعيفة التي يتقوى مجموعها ، وأيضا لا حرج في الإخبار بما لم يعلم ثبوته منها على سبيل الرواية لاحتمال صحتها في نفس الأمر وذلك بأن يقال “روي كذا أو يزعم الناس كذا” وهو يدخل على كل حال في ذكر الصالحين و”دَيْرانْهم افلوجه” وهو عظيم النفع والبركة ولكن الجزم بما لم يُعلم وقوعه كذب والكذب حرام.
وننبه هنا إلى أن كلامنا إنما هو في آحاد القصص وجزئياتها كالقصة الفلانية بعينها ، أما وجود الكرامات ووجود الصلاح وصلاح أفراد معروفين سارت الركبان بمناقبهم وكراماتهم فهو متواتر التواتر المعنوي كتواتر سخاء حاتم وشجاعة علي فهما ثابتان قطعا وإن كانت جزئيات القصص المروية عنهما في ذلك ليست كلها صحيحة.
وننبه أخيرا إلى مغالطة مشهورة وهي أن بعض الناس إذا طالبته بإسناد قصة غريبة سمعته يحكيها ويجزم بها اعتبر أنك تنكر الكرامات وتشكك فيها وهو ما يتنزه عنه أهل السنة ويعتبرونه بدعة، والجواب عن هذه المغالطة هو أن إنكار الكرامات الذي هو بدعة هو إنكارها جملة وتفصيلا فهو الذي تقول به المعتزلة ويزعمون أنه لو صحت الكرامات الخارقة لالتبس غير النبي بالنبي وهي حجة واهية والجواب عنها معروف مسطور في كتب الأصول منه أن الولي لا يدعي النبوة وهو تبع لنبيِّهِ فكرامته معجزةٌ لنبِيِّه على التحقيق . أما إنكار قصة بعينها لأنك قام عندك دليل أنها غير صحيحة فليس من الإنكار في شيء لأن الإنكار هنا ليس لأجل أنها كرامة بل لأنها كذب. وهذا ينبغي أن يكون بديهيا فهنالك أحاديث رويت فيها معجزات نبوية حكم عليها علماء الحديث بأنها ضعيفة ولم يعتبر أحدٌ ذلك إنكارا للمعجزات بل هو نصرة للسنة وذب عنها، وإن كان من الأدب توخي العبارة اللائقة عند نفي شيء من ذلك حفظا لحرمة الجناب النبوي عليه الصلاة والسلام وعلى آله وحفظا لحرمة عباد الله الصالحين.
بقي أن نقول أن إنكار الخوارق جملة والسخرية منها فيه خطر عظيم لاستلزامه السخرية من المعجزات ولإجماع السلف على ثبوت الكرامات في الجملة ولشدة خطورة الوقوع في أعراض أولياء الله. هذا والخير باقٍ في هذه الأمة المرحومة إلى يوم الدين فالحزم حسن الظن بالمسلمين عامة فالخطأ فيه خير من الخطأ في سوء الظن ومع هذا كله لا محاباة في دين الله ولا عصمة بعد الأنبياء ، وينبغي أيضا الحذر من الحسد والكبر المغلفين بغلاف نصرة السنة ومحاربة البدع.

الأستاذ عبداللطيف ولد محمد فال

#رياح_الجنوب

شاهد أيضاً

توزيع جوائز النسخة الثالثة من مسابقة جائزة رئيس الجمهورية لحفظ وفهم المتون المحظرية/ رياح الجنوب

أشرف فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، صباح اليوم الثلاثاء بالمركز الدولي للمؤتمرات …