رأي فقهي بحت حول حكم أداء الصلاة في الجماعة في الظروف الاستثنائية الحالية ..
بقلم الولي محمذن بن محمودن حفظه الله..
من المعلوم من الدين بالضرورة أن الصلاة فرض عين على كل مكلف بحسب الحالة التي هو فيها، وهي حسب تعريف ابن عرفة “قربة فعلية ذات إحرام وسلام وسجود فقط”. ولا تعد الجماعة جزءا من ماهيتها، ولا شرطا من شروط صحتها، بل هي وصف زائد على ماهيتها، تحصل به وبدونه، حتى في الجمعة التي تستحيل ظهرا لمن لم يدرك ركوع الإمام.
وإذا كان الحكم الشرعي، كما هو معلوم بالنظر، هو خطاب الله جل وعلا المتعلق بأفعال المكلفين، فهل هنالك خطاب شرعي واحد يعم جميع المكلفين بشأن الصلاة، أم أن الحكم الشرعي يتعدد ويتحدد مضمونه بحسب الشخص المخاطب ؟
وعليه فإن إيقاع الصلاة تعتريه الأحكام الشرعية بحسب المخاطب به، فلا يمكن إصدار حكم عام يشمل آكل الثوم عند الغروب ، والصائم يوم عرفة، والحاج والمسافر والحائض بشأن أداء صلاتهم للمغرب، لأن الحكم نسبي بحسب المخاطب ومحل تعلقه.
إذا تقرر ذلك فإن كل فتوى تتعلق بمسألة الصلاة في الجماعة لا يمكن إلا أن تكون نسبية بحسب زمانها ومكانها وموضوعها.
وعليه فإن النظر في مسألة أداء الصلاة في الجماعة عندنا في هذه الفترة يجب أن تراعي الاعتبارات التالية:
1) أن حكم أداء الصلاة في الجماعة يختلف عن حكم أداء الصلاة في ذاتها
2) أن اختلاف المذاهب بشأن حكم الصلاة في الجماعة فيه حكمة ربانية علينا أن ندركها، لذلك فعلى الذين يريدون تعميم بعض أقوال السلف على بعضٍ لاعتبارات تغلب عليها السياسة، أن يراجعوا سياساتهم، وأن يدركوا أن أحادية الرأي ليس مقصدا شرعيا في ذاته.
3) أن حكم أداء الصلاة في الجماعة يختلف بحسب الشخص من حيث عدة اعتبارات لا تكاد تنحصر
4) أن حكم ذهاب المكلف إلى مكان يجتمع فيه الناس عموما سواء لأداء الصلاة أو لغيره يختلف بحسب الظروف.
5) أن المفسدة التي تترتب على الذهاب إلى أماكن تجمع الناس في ظل جائحة كورونا الحالية هي نقل المكلف للفيروس وليست الإصابة بالمرض أو الموت.
6) أن مفسدة نقل الفيروس محققة لأن أهل الذكر من الأطباء مجمعون على أن كل إنسان يمكن أن يكون ناقلا للفيروس إلى غيره. ورب حامل فيروس إلى من هو أضعف منه مناعةً ، وأقل تحفظا في الوقاية.
7) أن الأخذ بالعزيمة أو الرخصة لا محل له في هذه المسألة لأنهما متعلقتان بالواجبات والمحظورات، و حضور أماكن اجتماع الناس ليس في الأصل من الواجبات في ذاته، وعلى افتراض صحة التأصيل عليهما في هذه المسألة فإن محل المشقة فيه سيكون انقطاع من تعلق قلبه بالمساجد عنها وتحمله لرؤيتها خالية من الناس درءاً لمفسدة انتقال الفيروس عبره إلى غيره، وتحمل تلك المشقة هو العزيمة، وليس الذهاب إليها لتفادي تلك المشقة النفسية.
أن هنالك فرقا بين أمرين : أولهما الامتناع عن الذهاب إلى أماكن التجمع منعا لمفسدة نقل الفيروس لغيره و ثانيهما هو إصدار الحاكم الأمر بإغلاق المساجد أو بحظر التجوال.
فالأول تصرف للمكلف في خاصة نفسه بحسب خطاب الشرع المتجه إليه يؤجر عليه بحسب نيته وبحسب الاعتبارات الخاصة به.
و الثاني تصرف من تصرفات السياسة الشرعية يحمل على المصلحة لعموم الناس وتحكمه الاعتبارات العامة أكثر من الاعتبارات الخاصة.
هذا و إن الهدف من إثارة هذه النقاط أبعد ما يكون عن الدخول في الجدال الدائر حول هذا الموضوع لأن ذلك مخالف للهدف الأصلي من الجماعة، وهو وحدة الصف والكلمة ونشر الألفة والمحبة بين المسلمين، وهو كذلك مخالف للسياق الذي ورد فيه قوله تعالى: { إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر } ، فقد جاء في الآية التي تليها النهي عن الجدال.
و الله وليُّ التوفيق.