تاريخ المخطوطات الموريتانية
بقلم الأستاذة المخضرمة : هندُ منت عينينَ
تعود أولى محاولات التعريف بالمخطوطات الموريتانية إلى بداية القرن العشرين حين نشر المستشرق الفرنسي لويس ماسينيون (Louis Masignon) مقالة في العدد الثامن من مجلة العالم الإسلامي الصادرة باللغة الفرنسية سنة 1909 وعنوانه “مكتبة صحراوية” (Une Bibliothèque saharienne)،وكانت هذه المقالة أولى محاولة لجرد بعض المخطوطات الموريتانية. ويقع هذا النص في 10 صفحات.وقد تناول فيه ماسينيون مكتبة بابه بن الشيخ سيديا الأبييري الموجودة بمدينة بوتلميت، وقد أحصى جميع عناوين المكتبة المخطوط منها والمطبوع.وتبلغ مخطوطاتها خاصة 512 مخطوط تدخل في مختلف مواضيع الثقافة العربية الإسلامية، ولم يهتم ماسينيون بإحصاء ما يعرف بالكنانيش والرسائل.
والمحاولة الثانية كانت فرنسية هي الأخرى حيث قام بها الإداري بول مارتي (Paul Marty) في نظاق كتابه عن الإسلام في بلاد البيضان (L’Islam dans le pays maure) الصادر بباريس سنة 1916 بعرض قائمة مكتبة الشيخ سيدي محمد بن الشيخ أحمد بن سليمان الديماني وهي مكتبة موريتانية غنية نسبيا وتمثل نموذجا للمكتبة الموريتانية التقليدية وتحتوي هذه المكتبة على 240 كتابا ويشكل جرد أسماء المخطوطات وحده 174.وفي سنة 1950 نشر المختار بن حامدن وآلْبَيْرْ لَرِيشْ مقالا بالفرنسية في نشرة المعهد الوطني لإفريقيا السوداء والمقال بعنوان Curiosités et Bibliothèques de Chinguetti وفي هذا المقال معلومات موجزة ومفيدة حول أنماط المخطوطات بشنقيط. كما أن فيه ملحقا أعده ابن حامدن وهو عبارة عن جرد ببليوغرافي للمخطوطات الشنقيطية يركز على الجهة المالكة للمخطوط وعدد المخطوطات التي بحوزة هذه الجهة أو تلك وملاحظات عامة.
وفي سنة 1966، وبعد إنشاء المكتبة الوطنية بنواكشوط، قام المؤرخ ابن حامدن أيضا ومعه خبير من اليونسكو يدعى آدام هيموفسكي، وكان معارا من طرف المكتبة الملكية باستوكهولم، بوضع جرد سمياه: الفهرس المؤقت للمخطوطات المحفوظة في موريتانيا. وقد راجعه هايموفسكي سنة 1968.وقد استطاع المؤلفان حصر 2054 تأليفا مخطوطا لحوالي 394 مؤلِّفٍ موريتاني. وأقدم موريتاني مذكور بهذا الفهرس هو اند عبد الله بن سيدي أحمد بن محمد الغيث المحجوبي الولاتي المتوفى سنة 973هـ/1530م وآخر المؤلفين الموريتانيين المذكورين بهذا الفهرس هو محمد يحيى بن سليمة اليونسي النعماوي ليلة الاثنين 22 ذي الحجة سنة 1354هـ، الموافق 6 مارس 1936م.
وهذا العمل يمكن أن نسميه دليل المؤلفات الموريتانية المخطوطة.وقد بقي هذا الفهرس حبيس دواليب المعهد الموريتاني للبحث العلمي حتى سنة 1987 حيث نشره الأستاذ الخليل النحوي ملحقا لكتابه بلاد شنقيط المنارة والرباط. ويذكر الباحث الفرنسي المسلم فينسان مونتَيْ (Vincent Monteil) في مقال له بعنوان المخطوطات التاريخية العربية الإفريقية منشور بمجلة المعهد الأساسي إفريقيا السوداء (IFAN) أنه التقي بابن حامد وهايموفسكي بنواكشوط سنة 1965 وذكرا له أنهما يقدران ما ألفه الموريتانيون من تآليف ما زالت مخطوطة بثلاثة آلاف مخطوط (دون عد الدواوين الشعرية) ويوجد نص مونتي في:Vincent Monteil,Retour ligne automatiqueRetour ligne automatique
Les manuscrits historiques arabo-africains, Bulletins de l’IFAN, Tome XXVII B, n° 3-4 1965 وللشيخ ابن حامد محاولة أخرى وهي قائمة المخطوطات الفقهية الموريتانية حيث حدد في هذه القائمة أربعة عناصر هي اسم الكتاب واسم مؤلفه وتاريخ وفاته (إن كان قد توفي) ثم يذكر مظنة وجود المخطوط. وقد أعد ابن حامد هذه القائمة في الستينات إلا أنها لم تر النور حتى سنة 1981 حين نشرها الدكتور محمد المختار ولد اباه في كتابه دراسات في تاريخ التشريع الإسلامي في موريتانيا.أما فهارس المخطوطات الموريتانية المنظمة فقد بدأت سنة 1981 مع مشروع للميكروفيلم أي تصوير المخطوطات على شكل أفلام؛ حيث قام المعهد الموريتاني للبحث العلمي بالتعاون مع جامعة تُوبِنْغَنْ بألمانيا بتحضير مكتبة للميكروفيلم وبإعداد فهرس لبعض المخطوطات الموريتانية التي تم تصويرها وتحميضها.
وقد أشرف الباحث الألماني ألْرِيخْ رُوبِشْتُوكْ (Ulrich Rebstock) بالتعاون مع الأستاذ أحمد بن عبد القادر والأستاذ رَايْنَرْ أُوسْوَالْدْ بإنجاز فهرس من 2603 مخطوط مأخوذة ومصورة من 100 مكتبة موريتانية من مختلف مناطق البلد. وقد استمر هذا المشروع الموريتاني الألماني أربع سنوات حيث انتهى سنة 1884. وقد تمت طباعة جزء أول من هذا الفهرس بالعربية تحت عنوان فهرس المخطوطات العربية بموريتانيا وصدر ببيروت سنة 1988 وفيه ذكر مائة مخطوط مع ذكر مختلف العناصر المتعلقة بكل مخطوط. وقد أصدر الأستاذ ألْرِيخْ رُوبِشْتُوكْ الفهرس كله سنة 1989 باللغة الألمانية وهو تحت عنوان (Sammlung arabicher Handschriften aus Mauretanien). وكان من نتائج المشروع الموريتاني الألماني أن تم تزويد المعهد الموريتاني للبحث العلمي وجامعة توبنغن بألمانيا بمكتبة على الميكروفيلم لجميع المخطوطات المذكورة في هذا الفهرس.وقد نشر السيد أحمد بن محمد يحيى رئيس قسم المخطوطات بالمعهد الموريتاني للبحث العلمي فهرسا بعنوان (المصادر التاريخية في ميكروفلمات المعهد الموريتاني للبحث العلمي) معتمدا على حصيلة مكتبة الميكروفيلم. وقد نشر المقال في العدد الثاني من مجلة الوسيط التي يصدرها المعهد المذكور، وقد صدر هذا العدد سنة 1988 ويبلغ الفهرس 140 عنوانا.وفي سنتي 1987 و1988 قام الأستاذ الأمريكي شارل استيوارت من جامعة إلينوا الأمريكية (University of Illinois) بفهرسة مكتبة أهل الشيخ سيديَ الموجودة ببوتليمت والتي ذكرنا سابقا ما أنجزه الأستاذ لويس ماسينيون عنها في بداية هذا القرن. وقد زاد هذا الفهرس قليلا عن 2000 مخطوط. وعنوان هذا الفهرس العربي الإنجليزي الذي أعده الأستاذ شارل استيوارت هو (فهرس مكتبة هارون ولد الشيخ سيديَ ببوتلميت). ولم ينشر هذا الفهرس.وامتدادا لهذا العمل قام المعهد الموريتاني للبحث العلمي وجامعة ألينوا الأمريكية بتطبيق نفس قاعدة المعطيات المبرمجة التي استغلت لصالح مكتبة أهل الشيخ سيديَ فتم تطبيقها على مكتبة المخطوطات الموجودة بحوزة المعهد.
وقد قام الأستاذ شارل استوارت من جامعة ألينوا وأحمد بن محمد يحيى من قسم المخطوطات بالمعهد الموريتاني للبحث العلمي وسيدي أحمد بن أحمد سالم، وعدد من المؤلفين بإعداد هذا الفهرس وهو بعنوان (فهرس مخطوطات المعهد الموريتاني للبحث العلمي).كما قام المعهد الموريتاني للبحث العلمي بالتعاون مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي بلندن بنشر فهرس بعنوان: فهرس مخطوطات شنقيط ووَدَانْ وقد اعتنى بإعداده الأستاذ أحمد بن محمد يحيى وراجعه الباحث الألماني ألْرِيخْ رُوبِشْتُوكْ. كما ظهر فهرس مخطوطات النعمة وولاتة، وهو كذلك من إعداد الباحث أحمد بن محمد يحيى ونشر مؤسسة الفرقان لندن وذلك في سنة 2003.ومنذ سنة 1995 قام أستاذ التاريخ بجامعة نواكشوط الدكتور محمد بن مولود وبمؤازرة اللجنة الجامعية للتضامن مع موريتانيا (وهي منبثقة عن جامعة باريس X) وبمؤازرة جريدة لوموند (Le Monde) كذلك، بإنشاء شبكة المكتبات التقليدية بتكانت. وتسعى هذه الشبكة، التي لم يتجاوز نشاطها حتى الآن مدينة تجكجه، إلى تنظيم وإحصاء المكتبات بمنطقة تكانت. وسعيا إلى ترغيب أصحاب المكتبات الخصوصية في الانضمام إلى هذه الشبكة عَمَدَ المشرفون عليها إلى تشجيع أصحاب المكتبات بمساعدات مادية وعينية. وقد انضمت 15 مكتبة إلى الشبكة كما قامت بإحصاء قائمة لـ 3000 عنوان مخطوط. وقد توقف نشاط الشبكة منذ سنة 1997 نظرا لتوقف المساعدات المالية التي كانت جريدة لوموند تقدمها للمشاركين.ونشر المعهد الموريتاني للبحث العلمي الجزء الأول من فهرس مكتبة المخطوطات بالمعهد الموريتاني للبحث العلمي سنة 1996 وفيه أربعمائة وخمسة وعشرون مخطوطا. بعناية سيدي أحمد بن أحمد سالم وأحمد بن محمد يحيى ومحمد محمود ولد الزبير.وقد أعد الباحث محمدو بن الداه بن ايدة فهرسا لمخطوطات مدينة ولاته ولم يظهر بعد حسب علمي. كما قام أحمد بن محمد يحيى بإعداد فهرس آخر للمخطوطات الموجودة بمكتبات تيشيت في صيف سنة 1997. وقد تم بالفعل هذا الفهرس وكان بتمويل من اليونسكو إلا أنه لم ينشر كذلك حسب علمي. وقد قام مركز جمعة الماجد بدبي بالإمارات العربية المتحدة، ضمن برنامجه الخاص بترميم وتصوير المخطوطات العربية بإنشاء مبنى بتيشيت لحفظ المخطوطات وترميمها وتصويرها. وقد أحصى هذا المركز أكثر من 4 آلاف مخطوط بهذه المدينة.
وتم سنة 2002 في إطار مشروع صيانة وتثمين التراث الثقافي الموريتاني الذي يموله البنك الدولي بجرد ثلاثة وثلاثين وسبعمائة وستة وسبعين مخطوطا موزعة على ست مائة وخمس وسبعين مكتبة منشرة في 289 موقعا في 91 بلدية موريتانية من ضمن 48 مقاطعة. وهنالك بعض التآليف المفيدة، والتي وإن لم تكن فهارس للمخطوطات الموريتانية، فإن الباحث في هذا المجال لا يتستغني عنها ومنها: كتاب فتح الشكور في معرفة أعيان علماء التكرور للطالب محمد بن أبي بكر الصديق البرتلي الولاتي وقد توفي سنة 1219 هجرية أي 1804 ميلادية. وفيه ترجمة لِمِائَتَيْ عالم موريتاني (200) مع ذكر عناصر كثيرة عن أنماط التدريس والكتب المقررة في المحاظر الموريتانية والتآليف الموريتانية. نشر فتح الشكور سنة 1981 ببيروت. وهنالك كذلك كتاب ضالة الأديب للمؤرخ التيشيتي سيدي عبد الله بن امبوجه العلوي التيشيتي (ت: في حدود 1300هـ أي 1882م). والكتاب مفيد للتاريخ الثقافي الموريتاني. وقد نشرته الإيسسكو سنة 1996. هذا فضلا عن كتاب الوسيط في تراجم أدباء شنقيط الصادر بالقاهرة سنة 1911 لأحمد بن الأمين العلوي الشنقيطي (ت: 1913م)، مرجع هام للثقافة والتآليف الموريتانية والمخطوطات المتداولة. أما موسوعة حياة موريتانيا وخصوصا الجزء الثاني عن الحياة الثقافية للمختار بن حامد (المتوفى في 1 محرم 1414هـ – 22 يونيو 1993م) المنشور بتونس سنة 1990، فهو مصدر جوهري بالنسبة للمؤلفين الموريتانيين ومؤلفاتهم كما يعين كثيرا في معرفة المخطوطات التي كانت مقررة في مناهج المحظرة الموريتانية. وتقع موسوعة حياة موريتانيا في عشرات الأجزاء، وطبعت منها حتى الآن فضلا عن الجزء الثقافي ستة أجزاء هي: التاريخ السياسي، (الجزء الأول)، دار الغرب الإسلامي، بيروت، سنة 2000، والجغرافيا، (الجزء الثالث) معهد الدراسات الإفريقية الرباط، 1994، تجكانت، (الجزء السادس) منشورات الزمن، الرباط، 2009، أولاد ديمان، (الجزء الخامس عشر)، منشورات الزمن، الرباط، 2009، بنو حسان، (الجزء العشرون)، منشورات الزمن، الرباط، 2009، ممالك السودان وأعلامهم، (الجزء الثلاثون) منشورات الزمن، الرباط، 2009. وقد الجزآن الأخيران في مجلد واحد. وستنشر هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث جزء حوادث السنين بتحقيق سيدي أحمد بن أحمد سالم.ويعتبر كتاب الخليل النحوي بلاد شنقيط، المنارة والرباط الذي نشرته المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، تونس، 1987م من أبرز الدراسات التي عرفت بالمحظرة وبالمخطوطات في موريتانيا.وألف سيدي محمد ولد بزيد كتابه: معجم المؤلفين في القطر الشنقيطي، منشورات سعيدان، سوسة، تونس 1996 وهو مفيد في هذا السياق.وقد ألف د. محمد المختار ولد أباه، سلسلة من الدراسات المهمة للمعتني بالتآليف الشنقيطية مثل تاريخ القراءات في المشرق والمغرب، دار الكتاب العلمية، بيروت، 2008. وتاريخ النحو العربي في المشرق والمغرب، دار الكتاب العلمية، بيروت، 2008.وقد صدرت حتى الآن المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألسكو) 19 مجلدا من موسوعة أعلام العلماء العرب والمسلمين التى تعدها والتي يتوقع أن تصل إلى خمسين مجلدا وبها الكثير من التراجم الموريتانية وذكر مؤلفاتهم المخطوطة.كما ألف الدكتور محمد الحافظ بن المجتبى دراسة عن الحديث الشريف وعلومه وعلماؤه في بلاد شنقيط، المطبعة السريعة، نواكشوط، الطبعة الثانية، 2003.وكذلك ألف محمد محفوظ بن أحمد دراسة بعنوان: مكانة أصول الفقه في الثقافة المحظرية الموريتانية، المكتب العربي للخدمات الثقافية، الطبعة الثانية، 2001.وهنالك مذكرات أعدها بعض الطلاب النابهين في مجال التآليف والمؤلفين في موريتانيا ومن أبرزها: معجم المؤلفين ومؤلفاتهم في ولاية الترارزة، لمحمدن بن أحمد بن بابه وهو بحث لنيل شهادة المتريز في العلوم الشرعية، المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية، 1990/91.و المؤلفون ومؤلفاتهم في ولاية منطقة البراكنة لمحمد سالم بن الغلاوي، بحث لنيل شهادة المتريز في العلوم الشرعية، المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية، 1992-1993.و معجم المؤلفين في ولايتي العصابة وتگانت ليحيى ولد محمد بن احريمو وهو بحث لنيل شهادة المتريز في العلوم الشرعية، المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية، 2004-2005.والمؤلفون ومؤلفاتهم في ولاية تگانت لخديجة بنت السجاد، بحث لنيل شهادة المتريز في العلوم الشرعية، المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية، 1992-1993. هذه أبرز محطات فهرسة المخطوطات الموريتانية، ولئن كانت محاولة مشروع تثمين التراث الموريتاني من أشمل ما تم القيام به لكونها أحصت ازيد من 33 مخطوطات، إلا أن بها ثغرات عديدة وأغلاطا كثيرة.وأنا الآن أقوم، في نطاق مشروع تقوم جامعة نورث ويستيرن الأمريكية (Northwestern University) بالإشراف عليه، بإعداد موسوعة للتآليف والمؤلفين في موريتانيا، وذلك بالاشتراك مع البروفيسور شارل استيوارت. وربما سيساهم هذا الجهد، الذي ستنشره مطبعة بريل الهولندية العريقة المتأسسة عام 1683 بمدينة ليدن والتي سبق لها أن نشرت الكثير من التراث العربي كما نشرت دائرة المعارف الإسلامية، بالتعريف أكثر بالمخطوطات الموريتانية.
#رياح_الجنوب